يحكى أنه في قديم الزمان كان هناك رجل تقي ورع زاهد نقي السريرة، صافي النية، وكان يعرف بين الناس بطيبته ودماثة أخلاقه .ونبله، وكان لهذا الرجل غنمتان، درّ له الله في ضرعيهما حليباً لا ينقطع، لكنهما لا تلدان
كان الرجل يقصدهما في كل صباح ويقوم بحلبهما فيكفيه ما يجود به ضرعهما ما يسد به جوعه كما يكفيه الحاجة للناس وسؤالهم، .فكانت تلك الغنمتان مصدرا رزقه في حياته
في ذات يومٍ ذهب في الصباح ليحلبهما لكنه لم يجدهما، بحث عنهما هنا وهناك لكنه لم يجد لهما أثرا، صاح باسميهما اللذين يعرفانه به ويعرفهن به لكنهما لم تقبلا عليه كما هو الحال دائما، فقصد الخلاء الفسيح الذي لا يذهب إليه الناس عادة ولا يسير فيه أحد إلا ما ندر، وهناك وجد الرجل آثارا لمذبحةٍ لأغنام فيه تفقد المكان فوجد أن غنمتاه قد ذبحتا وكل ما بقي منهما، قرون ودم وفضلات الأمعاء، فأدرك ان تلك البقايا هي بقايا اغنامه، ولما كان السارق حذراً بأن لا يبقى أي أثر من اقدامه، لم ير الرجل الطيب غير أثر راس أصبع واحدة .من قدم السارق على صخرة كبيرة مسطحة
.حزن الرجل حزناً شديدا وفكر في ماذا سيفعل
ثم قرر أن يذهب إلى الرجل قصاص الأثر، فأسرع الخطى وبعد أن وصل إليه وشكى له ما جرى معه من سرقة وذبح للغنمتين اللتين كان يمتلكهما، قام الرجل قصاص الأثر وذهب معه على الفور إلى مكان الحادث، وهناك قام قصاص الأثر بتفحص رأس أصبع السارق التي بقي أثرها على الصخرة، وحين تأمل فيها قصاص الأثر كثيرا قال للرجلِ: إن هذه الأصبع لفلان بن فلان، إنه مشهور بهذه الأفعال وأعرف أثره جيدا.
؟فرد عليه الرجل الطيب أخبرني ماذا أفعل
فقال له: إذهب إلى الملك (الحاكم) وقل له لقد سرقت عليّ غنمتيّ، وإذا سألك الملك ما دليلك أقسم له يمين الله بأن غنمتيك قد سرقتا .وذبحتا وأن الفاعل هو فلان بن فلان
فذهب صاحب الغنمتين إلى دار الملك فلما رآه الملك رحب به وضيفه ثم سأله: ماذا جرى لك يا فلان ما بك متغير الوجه ويظهر عليك الحزن الشديد؟
.فرد الرجل قائلاً: فلان بن فلان سرق علي أغنامي وذبحهما في الخلاء
؟فسأله الملك: هل تملك دليلا على ذلك
فأقسم له بأن فلان بن فلان هو من سرقهما، وهو من قام بذحهما وأن قصاص الأثر هو من أهتدى إليه بمعرفته، وهنا لم يجد الملك إلا أن .يصدقه
أرسل الملك إلى الرجل (السارق) طالبا منه أن يأتي إليه، ثم أرسل إلى الناس وإلى أمراء وشيوخ القبائل آمرا لهم بالحضور للاجتماع .بهم في مكان ويوم محددين
وحين اجتمعت الناس وأمراء القبائل وشيوخها وبعد أن تأكد الملك من حضور السارق بينهم أمر الملك بأن يقبض عليه في تلك اللحظة .وإحضاره بين يدي الملك أمام مرأى الملأ ومسمعهم
؟سأل الملك السارق: يا فلان هل سرقت غنمتا فلان بن فلان وقمت بذبحهما في يوم كذا وفي مكان كذا
انصدم السارق من قول الملك وأدرك بأنه قد كشف أمره وهذا الجمع هو تدبير من الملك لفضحه أمام الناس وتجنبا لغضب الملك كان .على السارق أن يخضع ويعترف بجريمته
.قام الملك من مكانه وقرأ حكمه أمام الجميع بأنه سارق وعقوبته قطع يده في ذلك المكان
فقام أمراء القبائل وأعلنوا رفضهم لأن تقطع يد السارق في ذلك المكان، تقديرا لمكانتهم وحتى لا يساء للمكان الذي تم الاجتماع فيه فهو .مكان جليل
احتار الملك قليلا ووافق على ما طلبه الأمراء ثم قرر بعد ذلك بأن يطلق السارق ويدعه يركض ويقوم هو بمطاردته على بعيره، وحيثما قبضه سيجري هنالك قطع يده، فأدرك السارق بأنه هالك فجرى بأقصى سرعة والملك يجري ببعيره وراءه، ولإن السارق سريع في الركض لإنه يركض ليحمي يده من القطع، فقد عجز الملك عن إدراكه وظل السارق يركض وهو وراءه، حتى وجد السارق امامه بيت الملك فدخل إليه فوجد زوجة الملك وقال لها: أجيريني أنقذيني أيتها المرأة، لقد حكم الملك عليّ بأن تقطع يدي؟!! فأجارته على الفور وقد .رأت خوفه وهلعه رحمةً به، وأدخلته إلى مخزن لهم في المنزل وأغلقت أبوابه عليه حتى لا يراه الملك الذي يركض خلفه
جاء الملك وقال لزوجته: ألم يدخل البيت رجل يركض هارباً؟!
فردت عليه زوجته: عن أي رجلٍ تتحدث أيها الملك، لم يأت أي رجل إلى هنا، كان الملك في تلك اللحظة غاضباً غضبا شديدا ثم صاح قائلا: يا ويلتي لقد هرب السارق ولم أنفذ الحكم عليه!
فجلس الملك دقائق حتى هدأ نزق قلبه من الغضب، ولما رأت زوجته أن أعصابه قد هدأت سألته قائلة: أخبرني أيها الملك ماذا حدث، ما ؟قصة هذا الرجل الذي جئت لاحقا في طلبه
فرد عليها الملك وحكى لها ما جرى من القصة، فقالت له زوجته: الرجل الدي كنت تبحث عنه موجود ولقد دخل بيتنا وطلب مني إجارته .وقد خبأته في المخزن وأغلقت عليه إنقاذا لحياته. ثم قالت له: اطلب منك أيها الملك أن تتراجع في الحكم بقطع يده
.فرد عليها الملك قائلاً: لا تالله إني لأنفذ الحكم عليه
فلما سمعت زوجته كلام زوجها وهو يحلف بأنه سينفذ الحكم عليه أرسلت طلبا لمجيء أخوته من الأمراء ولما حضروا كانوا مع قرار زوجة الملك بأن لا تقطع يد السارق، وطلبوا بأن يعاقب بعقوبة أخرى غير قطع يده كالسجن أو الاسترقاق بما سرقه ذلك الرجل كما هو .حكم الشرع قديما
بعد أن سمع الملك قرار زوجته وإخوته، وافقهم وحكم الملك على السارق بأن يسترقّ بما سرقه ويصبح عبداً عنده حتى يستوفى ثمن ما .سرقه من عبوديته تلك، بعد ذلك عاش هذا السارق مع الملك وصار خادماً له إلى أجلٍ يحدده الملك
وفي يوم من الأيام ذهب الملك وعبده المسترق بسرقته إلى مكان فيه أشجار كثيرة لكي يجمعوا أعلافاً لمواشي الملك من غصون وفروع تلك الأشجار، وكان هناك مطرٌ خفيف في ذلك اليوم، فأمر الملك بأن يتسلق الخادم الشجرة الطويلة وأخذ منها العلف من أطرافها فتسلق العبد المسترق فلما وصل وسط جذع الشجرة انزلق بسبب الأمطار ثم قال للملك إنني لا أستطيع تسلق الشجرة، وتراجع إلى الوراء ليتقدم الملك ويشرع في تسلق الشجرة فلما وصل إلى أعلاها انزلق وسقط بين ذراعي عبدهِ ولشدة ثقله نطفت أنف العبد المسترق قطرات .من الدم، وأغمي عليه عدة دقائق ثم استيقظ
تعجب الملك من أمر عبده المسترق لأنه أنقذ حياته، وتقدم له بالشكر الجزيل والعرفان نظير ما فعله، ثم بادر وأعلن تحريره له من الاسترقاق وقال له لقد أعتقتك من الرق وأوصيك بأن لا تسرق مال الفقراء والأيتام ولا تكرر أخطاءك السابقة، وأشهد الله بأني قد حررتك من أي عقوبة، وأما بالنسبة للغنمتين اللتين سرقتهما وذبحتهما فقد عوضنا صاحبهما الرجل الطيب عنهما على ألا تعودها مرة .أخرى، ولك الآن أن تعود إلى بيتك سالماً
سجلتها ونقلتها إلى اللغة العربية: مها الدعرهي
حررها: هائل المذابي