كان يا ما كان في قديم الزمان، كان هناك رجل اشتهر بين الناس بمعرفته الواسعة بعلم القيافة، ومهارته الكبيرة في قص الأثر، إلا أنه لم يستطع أن ينجو من كلام الوشاة وكيد الكائدين، فأشيع عنه أنه هو من كان يقوم بسرقة الأشياء أو إخفائها، ثم يستدعيه الناس ليقص أثر .الفاعل، ويكتشفها ثم ينال بذلك أموالا من الناس
وقد ذاع صيت ذلك الرجل إلى أن وصل إلى أحد ملوك ذلك الزمان؛ وهو ملكٌ عظيم اشتهر بحكمه العادل بين الناس وعرف عنه الحكمة والرشد واتباع شريعة الله فيما يصدر عنه من أحكام، ولما كان هذا الملك قد سمع بقصاص الأثر ذاك أعجبه أن يكون هناك مواطنٌ في بلاده التي يحكمهاـ يمتلك تلك الخبرة والمعرفة في القيافة، لكنه أيضا كان قد سمع تلك الإشاعات التي تنفي معرفته بالقيافة وقص الأثر وأنه مجرد محتال يحتال على الناس، وبعد أن فكر ذلك الملك ملياً، قرر أن يحكم بالعدل في مسألة هذا الرجل، له أو عليه، .وعقد في نفسه أن يختبره ليكتشف صدقه من كذبه، فإن كان صادقاً أنصفه بين الناس وإن كان محتالا نال جزاؤه
في صباح أحد الأيام قرر الملك أن يخرج في رحلةٍ فاصطحب معه مجموعة من أصدقائه ومجموعة من خُدّامهِ، وعدد من إبله محملة بأغراضهم، وحين وصلوا إلى منتصف الطريق قرر الملك أن يأخذوا قسطاً من الراحةِ ويمكثون في ذلك المكان الذي توقفوا فيه حتى .صباح اليوم التالي
أناخوا رواحلهم واستراحوا، ولما كانوا في سباتهم نهض الملك في غفلة منهم وأخذ راحلته بعيدا عن ذلك المكان، وقام بإفراغ كل .أغراضه المحملة على ظهر الراحلة وخبأها دون أن يشعر بذلك أحد.. ثم عاد إلى موضع استراحتهم وخلد إلى النوم معهم حتى الصباح
في صباح اليوم التالي، أعلن الملك للجميع أن أغراضه المحملة على راحلته قد سرقت… فتعجب الجميع ممن كان معه من ذلك وارتهبوا .وخافوا من غضب الملك، وبدت على ملامحهم الحيرة والتعجب وكل تساءل في نفسه عمن يكون من سرق أغراض الملك
حين لم يجد الملك إجابة من أحد، أمرهم أن يحضروا له قصاص الأثر المشهور؛ فجاءوا به إليه، وكانت الحيرة على وجهه ثم سأل للملك: ماذا حدث يا حضرة الملك؟ فأجابه الملك: لقد سُرقت أغراضي.. ثم قال: بما أنك خبير في قص الأثر فإنني أطلب منك أن تستخدم .معرفتك في اكتشاف من قام بذلك
لم يتردد الرجل أبداً وبادر على الفور باستخدام خبرته، وكان الملك يتبعه وهو يقص آثار الأقدام حتى وصل إلى ذلك المكان الذي خبأ الملك فيه الأغراض، ثم قام الرجل بإخراجها من مخبئها، ثم قال للملك: لم يكن هنالك يا حضرة الملك أي آثار لأي بشر، لكني وجدت .آثار أقدامك أنت ووجدت الأغراض المسروقة منك
بعدها أمر الملك بجمع الناس وأعلن فيهم مخاطباً: أيها الناس إني قد جمعتكم لأخبركم بأن هذا الرجل الذي أدعى بأنه قصاص للأثر صادقٌ فيما يدعيه، وقد ظننته كما ظنه الكثير منكم، لكني قمت باختباره واختبار معرفته وصدقه فيما يقوله للناس وفيما يفعله معهم، وقد .وجدته صادقا فيما يقول، بريئا من الإشاعات التي يروجونها عنه، وها أنذا أقف معه هنا لأشهدكم جميعا بأن صادق وبريء
سجلتها ونقلتها إلى اللغة العربية: مها الدعرهي
حررها: هائل المذابي