يحكى أنه في قديم الزمان كان هناك رجل مشهور بين الناس بمعرفته الواسعة في قص الأثر.. وفي الوقت نفسه كان هنالك رجل يعيش في قريته يمتلك قليلا من النخيل، يقوم على رعايتها وسقايتها والعناية بها وحراستها بعينٍ لا تنام؛ لأن ذلك الزمن كان زمن جوع وفقر، .فقد كان الناس يحرسون ما يملكونه من الخيرات سواءً أكان أرضاً أم مواشياً أم نخيلاً
ولما حل موسم الخريف والحصاد كان لنخيل ذلك الرجل طلعٌ نضيد، ورطبٌ شهيٌ لذيذ، وبذات ليلة سهى الرجل مالك النخيل ونام عن .نخلتيه فإذا برجلين قد جاءا مستغلين نومته وقاما بقصِّ خريفه (الرطب) من النخلتين وحملاه معهما إلى منزلهما
حين استيقظ الرجل في صباح اليوم التالي لم يجد له خريفاً، فكانت نخلتاه مقصوصتي الثمرة، وكل ما فيهما من رطب، فتحسر الرجل على غفلته ونومهِ التي كانت السبب في فقدانه لخريفه وثمرة نخلتيه من الرطب، ولم تدم حيرته كثيرا ففكر فيما سيفعله حيال ذلك؛ وتذكر .قصاص الأثر الذي يعرفه، فعزم على الذهاب إليه والاستعانة به لمعرفة من قام بسرقة ثمرة نخلتيه أثناء نومه
ذهب الرجل صاحب النخلتين إلى قصاص الأثر، وبعد أن حكى له ما حصل سأله قصاص الأثر: هل هناك أثر لأقدام أخرى غير .أقدامك؟ فأجاب الرجل: نعم يوجد وأعتقد أنها آثار أقدام السارق، ولا آثار لأقدام أخرى غير أقدامي وأقدامهِ
قال قصاص الأثر: جيد لنذهب معا إلى موضع النخلتين. وبعد أن وصلا إلى موضع النخلتين، قام قصاص الأثر بفحص أثر الأقدام هناك وتمييز أقدام صاحب النخلتين عن الأقدام الأخرى، وقام بقص آثارهما والرجل صاحب النخلتين يتبعه حتى وصل إلى منزلهما وقال له .هذا منزل السارقين الذين سرقا خريف نخلتيك
دخل قصاص الأثر عليهما المنزل، ووجد عندهما خريف النخلتين المسروقتين فقال لهما: أنتما سارقان، لقد سرقتما خريف نخلتا فلان بن .فلان البارحة وآثار أقدامكما شاهدةٌ عليكما
.فرد الرجلان عليه وقالا له جاحدان دعواه ومنكران: إن الخريف الذي تراه ليس لفلان
لم يكن قصاص الأثر متأكدا بشكل جيد من أنهما السارقان بالفعل، وإلا فإنه سيرفع أمرهما إلى الملك، ففكر بحيلة مع الرجل لاستكشاف .الأمر والقبض عليهما متلبسين بالسرقة
فعاد مع الرجل ثانية إلى منزل السارقين، وطلبا منهما أن يدخلا ويريا الخريف، فرفضا فتح الباب لهما، ولما كانا متأكدين أن السارقين :يسمعانهما من وراء الباب اصطنع الرجل وقصاص الأثر الحوار التالي
؟قال قصاص الأثر: كيف يمكنك أن تميز تمر نخلتيك عن بقية التمر
قال له الرجل: إن غرسة النخلتين قد جاء بها جدي من بلاد بعيدة يتميز تمر نخيلها بصفة لا تشبهها فيها باقي النخلات على وجه الأرض.. فلو وضعت زيتا في إناء مثقوب ثم وضعت خمس تمرات مجتمعة في مكان الثقب، فإن الزيت حينها لا يؤثر في التمر ولا ينفذ .من الثقب أو يقطر منه
.حين سمع السارقان هذا الكلام ذهبا ليتأكدا من هذه التجربة، وكان الرجل وقصاص الأثر يراقبان ذلك من أحد الفتحات في نافذة المنزل
قال السارقان بعد أن وجد أن كلام الرجل حقيقة رأيا بأن الإنكار لن يجدي نفعا، فتحا باب المنزل وسمحا لقصاص الأثر أن يدخل فقال .لهما انتما من سرقتما خريف هذا الرجل، ولا داعي للإنكار وإن لم تعترفا الآن فسوف أوصل أمركما إلى الملك
بعد أن سمع السارقان تهديد قصاص الأثر لهما شعرا بالخوف الشديد؛ فأقرا بذنبهما واعترفا له بأنهما من سرقا الخريف من النخلتين، ثم قالا له: نعم لقد سرقنا الخريف ونحن على ما فعلنا نادمين فهلا أخذت خريف الرجل الذي سرقناه إليه وطلبت منه أن يسامحنا على ما .فعلناه؟ فقال سأطلب لكم العفو منه فإن وافق الرجل على أن يسامحكما فهذا شأنه، وإن لم يوافق بالعفو فسوف تأخذان جزاءكما
وحين عاد قصاص الأثر إلى الرجل صاحب النخلتين يحمل معه الثمرة المسروقة منه، فرح بذلك كثيرا وحين سأله العفو عنهما، قام .بالعفو عنهما إكراما له
سجلتها ونقلتها إلى اللغة العربية: مها الدعرهي
حررها: هائل المذابي