في زمن مضى من أيام جزيرة سقطرى الغابرة، جاءت أيام القحط، وانتشرت المجاعة في كل مكان، حتى مات معظم الناس في الجزيرة بسبب الجوع والهزال، ويقال إن البعض كان يضطر إلى أن يطلق زوجته من أجل ألا تهلك من الجوع فيكون هو المسؤول عن موتها، فيعطيها الفرصة أن تذهب إلى بيت أهلها فقد تنجو بنفسها من الموت
أما أولئك الذين ما زلوا يمتلكون القوة والشجاعة فكانوا يأخذون ما يجدونه في طريقهم سواء كان لهم أو لغيرهم، محاولين أن ينقذوا أنفسهم من الموت والهلاك
وفي ذلك الوقت كان هناك رجل يدعى سحرهين يعيش مع زوجته، دخلا إلى غابة وسط الجزيرة يبحثان عن شيء يسد رمقهما، وعند وصولهما إلى قلب الغابة وجدا كهفا فدخلاه باحثين عن حيوان أو طائر ميت لكي يأكلاه
استقر بهما الأمر في ذلك الكهف، كانا يأكلان أوراق الأشجار ولحائها، وبعض الحشرات أو العصافير التي يمكن التقاطها
عصف الجوع بهما أكثر، مع عدم وجود أي عصافير أو حشرات بسبب جفاف الأرض وجفاف الأشجار
وفي يوم من الأيام اقترب من الكهف ولد صغير لايتجاوز العاشرة من العمر، وحينما اقترب أكثر، حدث الرجل نفسه بأن هذا الولد ربما يكون وجبة جيدة يأخذها وزوجته الليلة
عندما اقترب الولد أمسك به الرجل وغطى على فمه كي لا يستيطع الصياح، وحينما وصل إلى زوجته بهتت وخافت، فقال لها: لعلنا نأكله الآن، ولكنها رفضت الفكرة تماما، فقرروا أن يحتفظوا به ولدا لهم، لكن الولد كان يصيح ويريد العودة إلى أهله، فحبسوه في جحر مظلم داخل الكهف وأغلقوا عليه بالأحجار
كان للطفل أخ عجوز كبير في السن ولكنه يمتلك من القوة والشجاعة ما لا يمتلكه أحد في تلك المنطقة، كان مثالا للرجل الشجاع خارق القوة
حينما افتقد الرجل العجوز أخاه الصغير قرر أن يذهب للبحث عنه في الغابة، وبينما هو يبحث في ذلك المكان اقترب من ذلك الكهف فلاحظ وجود رجل غريب وامرأة
قرر بحدسه أن هناك شيئا ما، فاقترب منهما وسلم عليهما وبدأ بالحديث معهما عن أحوالهما ومن أين جاءا وماذا يفعلان هنا، وبينما هم يتحدثون سمع الطفل صوت أخيه العجوز فتعرف عليه، فصاح من الجحر المحتجز فيه مستنجدا بأخيه قائلا يا أخي لقد خطفني هذا الرجل وزوجته
فقفز العجوز إلى مكان الصوت وأدرك أنه أخاه وأنه مازال حيا، فقال له ادفع الأحجار برجليك، واخرج، ففعل الولد ما قاله العجوز وانطلق خارجا من ذلك الجحر
أمسك العجوز بعنق سحرهين وقال له أنت أتيت إلى هنا لكي تخطف الأولاد وتأكلهم، لكنه تعذر وقال له إنه فقط يبحث عن ولد لكي يكون ابنا له، فهدأ العجوز وقال له الآن فقط نسامحك على هذه الغلطة، ولكن إن فعلت شيئا آخر فسوف أقتلك
وعده الرجل بأنه لن يرتكب أي شيء آخر، فانصرف العجوز مع أخيه الصغير الذي كان قلبه يكاد أن يتوقف من الخوف
وبعد أيام كان هناك امرأتان غريبتان تمران من الطريق فرأتا جديا صغيرا تعود ملكيته لذلك العجوز، فأمسكتا به وفي طريقهن وجدن سحرهين وزوجته فطلبن منهما المساعدة على ذبح الجدي، ففعل سحرهين، حيث قام بذبح الجدي وسلخه وأعطاهما اللحم
افتقد العجوز الجدي، فقال في نفسه لابد أنه ذلك الرجل وزوجته فهما من سرقا الجدي، فذهب أولا للبحث عنه في المرعي وفي الغابة والجبال، وبينما العجوز يبحث سمع صوت تكسير الحطب وجمعها في الوادي، وحين اقترب منه وجد أنه الرجل، فناداه العجوز ولكنه لم يرد، فناداه مرة أخرى، فقال له أيها العجوز أنت تناديني ما الذي تريده مني
فقال له العجوز أريد أن أتحدث معك
فقال سحرهين إذا انتظر مكانك وسوف أتي إليك. كان سحرهين يضمر في نفسه الشر، محدثا نفسه بأن هذا الرجل عجوز وسوف تكفيه ضربة واحدة ويموت. انتظر العجوز فوق صخرة ملساء، فجاء الرجل وكان يبدو على وجهه الغضب وإضمار الشر، وحين اقترب من العجوز باغته بضربه بالسكين على رأسه، ولكن العجوز بسرعة وبخفة تمكن من إمساك يد الرجل ولفها ووضعه أرضا بسرعة
وبلكمات متسارعة تمكن من أن يوسعه ضربا حتى كاد أن يقلته، ثم قال له يا رجل، عليك أن تغادر هذا المكان وزوجتك بأسرع وقت لكي لا أراك ثانية وإلا سوف أقتلكما معا
أسرع الرجل إلى زوجته، ثم غادرا ذلك الكهف وتلاشيا من المكان كما يتلاشى البرق في الظلام الحالك، ولم يعد أحد يرى الرجل في ذلك المكان ولكن بعد فترة وجيزة بدأ العجوز بالشعور بأنه يفقد قوته، وأنه لم يعد قادرا على تسلق الجبال ولا الركض بقوة وخفة كما كان، ولم يعد قاردا على حمل الصخور كما كان يفعل، فأدرك أن سحرهين ربما يكون قد سرق قوته ومضى
سجلها ونقلها إلى اللغة العربية: أحمد عيسى الدعرهي
حررها: محمد المحفلي