You are currently viewing حكاية الراديو

حكاية الراديو

  • Reading time:4 mins read

في زمان سقطرى البعيد، تروي أحداث هذه الحكاية إحدى الشخصيات التي تنتمي إلى شرق جزيرة سقطرى، ربما تكون الأحداث قد .حصلت في النصف الأول من القرن الماضي

في زمن لم تكن سقطرى تعرف شيئا من أشكال الحياة الحديثة، وخاصة في الأرياف، حيث كل شيء يعتمد على ما تجود به الطبيعة وحيث الإنسان في تناغم وتوازن مع ما حوله من الطبيعة، ومن حيوانات برية أو أليفة. كان الناس يعيشون معتمدين في غذائهم على .أغنامهم وبقرهم وجمالهم، والجزء الآخر من الناس يعتمد على صيد الأسماك

وفي سنة من السنوات تمكن أحد أبناء القرية من الوصول إلى المدينة، ومنها تمكن من الذهاب مع أحد السفن إلى سلطنة عمان، وبعد .سنوات من العيش والعمل هناك، قرر العودة لزيارة أمه، وتفقد حال أهله وقريته التي غاص به الحنين إليها

وهو في طور التجهيز لرحلة العودة قرر أن يصطحب معه راديو الذي راج حينها بشكل واسع في بعض المدن عبر العالم، في حين .كانت سقطرى وقراها ماتزال محتفظة بانعزالها عن كلما يتصل بالعالم الخارجي

وصل إلى ميناء المدينة، ثم بدأ بالتنقل باتجاه الريف حيث أمه وبقية أهله، كان يحمل بعض الهدايا على ظهره، كما أنه يحمل الراديو الذي زوده أيضا ببعض البطاريات، كي يتمكن من البقاء متصلا بالعالم الخارجي الذي عرفه وتعود عليه من خلال هذا الصندوق .الخشبي الصغير، فمن خلاله يستمع إلى الموسيقى والأخبار ويطلع على المزيد من الأحداث عبر العالم

بعد يوم من السفر وصل إلى قريته، ووجد أمه وحيدة منعزلة، لا أنيس لها إلا أغنامها، تحاول أن تتعايش مع السنوات الأخيرة من .عمرها

وبينما هو يقضي تلك الأيام في القرية كان يستمع إلى تلك الآلة التي أتى بها، وكانت أمه تظن أنه أتى بأناس معه داخل الصندوق يتحدثون معه، يستمع إليهم ويستمعون إليه، خاصة عندما كانت تجده بعد ذلك ينقل إليها أخبار العالم، وماذا يحصل خارج حدود سواحل .جزيرة سقطرى

وفي اليوم التالي ذهبت ترعى أغنامها، وإذا برجل من أهلهم ممن يسكنون أعالي جبال حجهر، وجدها وهي تستظل تحت إحدى الأشجار .وتراقب الأغنام، فسلم عليها وسألها عن أخبارها وعن أخبار ابنها، وعن أحوال الناس والمواشي

.بعد ذلك طلبت منه أن يأتي إلى البيت ليأكل شيئا، فهي تعلم أن المسافة بعيدة التي قطعها حتى يصل إلى هنا

سألها ومن يوجد في البيت؟ قالت له: يوجد أناس غرباء، هم أصدقاء ابنها، جاء بهم معه من عمان داخل صندوق، يتحدثون معه وينقلون .إليه أخبار العالم، وهو الوحيد الذي يستمع إليهم ويتحدث معهم

استغرب الرجل، وقال لها حسنا… دعينا نذهب لعلنا نراهم أو نستمع إليهم. وعند وصولهم إلى البيت قدمت إليه الخبز واللبن، في ذلك .الوقت لم يكن يعرف الناس الرز والشاي وغيرهما من السلع المستوردة

وعندما هم الرجل بالمغادرة طلب منها أن يرى هؤلاء الناس الذين يتحدثون مع ابنها، فقالت له يبدو أنهم نيام، فقال لها إنه يريد أن يوقظهم فقد ضغط عليه فضوله كثيرا حتى قرر أن يطلع على هؤلاء الغرباء، لعله يستمع أو يفهم ما يقولون. لم يستطع أن يصدق فكرة .أن هناك أناسا داخل صندوق يتمكنون من الحديث والحوار مع البشر

أشارت إلى مكان الراديو، كان على شكل صندوق جديد، وكان جاهزا للاستعمال، كما كان زر التحكم بالصوت مضبوطا على أعلى .مستوى له

نبهته إلى أنه لا يمكن رؤيتهم، والآن يبدو أنهم في نوم عميق، وأنهم لا يستيقظون حتى يوقظهم ولدها، وأنه يبدو أنه يوقظهم من مكان ما .على أعلى الجهاز

قال لها: سأحاول إيقاظهم

أصدر أصواتا،… لا فائدة

ضرب على الصندوق… لافائدة

ناداهم… لا فائدة

ومع تكرار المحاولة وصلت يده إلى زر التشغيل، وما أن انضغط الزر حتى خرجت الأصوات العالية، فقفز من مكانه فزعا، يهرب من .مكان إلى آخر داخل الغرفة، ولا يدري ماذا يصنع، وما هذا الذي يحصل

ارتبك من الأصوات التي أصدرها الجهاز وظن أنهم غاضبون لأنه أوقظهم، فقرر أن يخرج من البيت، وخرجت وراءه

.لقد فزعوا جميعا من قوة الأصوات التي ملأت المكان

دخلت العجوز إلى البيت محاولة أن تهدئهم بحسب كلامها، ولكن لا فائدة، حاولت أن تلعب بالأزرار ولكن الأصوات ارتفعت أكثر، .فظنت أنها آلمتهم، فارتبكت وخافت وخرجت هاربة مرة أخرى

حاول الرجل مرة أخرى أن يتناقش مع العجوز عن كيفية اسكاتهم، فظلوا يتناقشوا لفترة وهم يتصببون عرقا من الخوف، فقالت له يوجد صندوق في البيت، فقرروا وضع الراديو داخل الصندوق وإغلاقه، ثم وضع بطانيات غليظة عليه، وما أن أنجز ذلك حتى اتجه إلى .طريق منزلهم في أعالي الجبال، وهو يشعر أن الناس ما زلوا يلاحقونه وسيصلون إليه في أي لحظة

.أما العجوز فهي الأخرى، انطلقت هاربة، وظنت أنهم قد يخرجون في أي لحظة ويقتلونها، فذهبت للبقاء في مكان آخر بعيد من البيت

وصل الرجل إلى البيت وأغلق على نفسه في زاوية مظلمة، ثم غطى نفسه بشكل محكم من رأسه إلى أخمص قدميه. لقد فكر في نفسه، .وقال لقد ارتكبت اليوم خطأ شنيعا لن أنج منه أبدا. وظل منتظرا أن يلحقه أولئك الذين رماهم في الصندوق في أي لحظة

ظل يراقب ويتربص حتى اليوم التالي، ما إن يسمع ورقة تسقط أو حركة ريح أو صوت عصفور بعيد، حتى ترتعد فرائصه ويظن بأنهم .قادمون

 وعندما طلب منه والده أن يذهب لرعي الأغنام في اليوم التالي، قال له إنه مريض ولن يستطيع الذهاب لرعي الأغنام، وظل على هذه .الحال لثلاثة أيام لا يغادر البيت مطلقا

.وفي اليوم الرابع قرر أن يذهب إلى بيت العجوز ليعرف ماذا جرى

.مشى في الطريق وهو يقدم رجلا ويؤخر أخرى، وأحيانا يحبو من شدة الخوف، والتوتر

وصل إلى مرتفع قريب من البيت، وبدأ يراقب من بعيد لعله يجد شيئا يعطيه إشارة إلى حال العجوز، وماذا حل بها، كما أنه يريد أن .يعرف ماذا حل بأولئك الذين تركهم داخل الصندوق

رأى العجوز من بعيد، فأشار لها، فأشرت له، ففهم أن كل شيء على ما يرام، فانطلق مسرعا إليها. وعندما وصل إليها سألها ماذا حل .بأولئك الذين تركناهم داخل الصندوق

قالت له: ظللت خارج المنزل حتى المغرب، وحين عدت إلى البيت وجدتهم قد صمتوا. فقررت أن أتركهم داخل الصندوق حتى يأتي ابني .ويعيدهم إلى عمان مثلما أتى بهم

سجلتها ونقلتها إلى العربية: ميسون الدعرهي

حررها: محمد المحفلي

الصورة للمصور: مجدي القبلاني

اترك تعليقاً