يحكى أن رجلا كان يعيش في جزيرة سقطرى، وكان مسجلا في قائمة المخاطر التي يتهيبها كل سكان الجزيرة، وكان السبب في ذلك أنه كان عيّاناً أي يمتلك عيونا خطرة يتطاير منهما ما يشبه الشرر، وكان الناس يقدمون له الهبات والعطايا اتقاء لشر تلك العيون التي يمتلكها، فكان إن رأى شيئا وشبهه بشيء فإنه يهلك، وكان الرجل العيّان هذا يتعمد أو أنه ينسى أن يذكر اسم الله حين يرى إلى الأشياء، فكان ما يفعله بالناس وممتلكاتهم شنيعا ولا يمكن وصفه.
وقد كانت قصص الإصابة بالعين شائعة جدا في ذلك الزمان، ويروى أن البعض ممن لهم عيون خطرة لا يستطيعون أن يتحكموا بأنفسهم، ولم يكن ليسلم من أضرار عيونهم وما تخلفها من مصائب حتى أهلهم وأولادهم، كما يحكى.
ذات يوم ذهب ذلك الرجل ذو العيون المُهلكة، حتى وصل في مسيره إلى إحدى القرى البعيدة، ولإنه غريب فقد لقيه أحد أهالي تلك القرية ودعاه مرحبا به إلى أن يحل ضيفا بمنزله في تلك الليلة وقد وافق الرجل العيّان ولبى دعوة الرجل.
حين دخل الرجل إلى منزل مُضيفه وجد أنه يعيش مع زوجته وطفل صغير لهما، وحين نظر الرجل إلى الطفل الذي كان يلعب أعجب بجمال شعره وأدهشه حسن محياه، وفجأةً وبلا مقدمات شرع الطفل في البكاء ومن دون أي سبب معروف.
لم يفهم الرجل المضيف وزوجته سببا لبكاء طفلهما على غير العادة ورغم قيامهم بما يلزم نحوه إلا أن بكاءه وصراخه ظل يتعاظم ولم يتوقف، حاولت المرأة تسلية طفلها بكل ما تملك من الأساليب والحيل، لكن بكاؤه لم يتوقف، ثم قالت لزوجها بعد أن عجزت لعل طفلنا قد أصيب بلدغة حشرة أو لسعة هوام ولا أعرف ماذا أفعل له.
حينها كان الرجل ذو العيون المضرة قد انتبه إلى الهم والغم الذي تلبس الرجل الذي استضافه بسبب بكاء طفله الذي لم يتوقف، فبادر بعد أن أخبرهم بأنه ربما قد أصابته عينٌ وطلب وقد غشت الرحمة قلبه، واستحى من إكرامهما واستضافتهما له، طلب من زوجة الرجل أن تناوله طفلها ليقوم بقراءة ما تيسّر من المعوذات عليه.
ناولته المرأة طفلها الذي كان يبكي راجية بائسة، ولم يكد الرجل العيّان يتمتم قليلا بذكر اسم الله على الطفل لبرهات يسيرة من الوقت، حتى هدأ بكاء الطفل وتوقف صراخه فقام الرجل حينها بإعادة الطفل إلى حضن أمه، وما هي غير لحظات يسيره حتى خلد الطفل في سبات عميق، فنقلته أمه من حضنها إلى هندول نومه، كان الزوج وزوجته في تعجب مما جدث للتو مع طفلهما، وسرعان ما فهمت هي وزوجها أن المصيبة التي حلت بطفلهما كان سببها عيون ذلك الرجل الغريب الذي نزل ضيفا لديهم حيث لم يره في ذلك المساء أحد غيره.
رغم ذلك فقد صمت الرجل صاحب المنزل ولم ينهر ضيفه أو يطرده فتلك ليست من عاداتهم وتقاليدهم، وكتم الأمر مع زوجته وقالا مهما كان الذي جاءنا منه وتسبب فيه إلا أنه ضيف وله حق علينا وكل المسألة ستنتهي بمجرد انبلاج ضوء الصباح وحينها سيرحل هذا الضيف غير المرحب به.
في الصباح واصل الرجل مسيره حتى وصل إلى غايته، وبعد أن قضى حاجته هم عائدا إلى ديار قريته، واثناء مروره ببعض الحي في قريته رأى بنتان جميلتان واحدة منهما لها شعر طويل يتدلى على ظهرها واكتافها كالحرير، فظل يحدق به ويتفرس، وقال ما قال في نفسه ولكنه لم يذكر اسم الله!
حين أفاقت من نومها ورفعت رأسها من المخدة فشعرت بالصداع في راسها واما الضفيرتان بقيتا على المخدة التي نامت عليها.
في الصباح وبينما كان الرجل العيّان يمشي في طريقه بين بيوت الحيّ في قريته إذا به يقف ليتأمل في بقرة حديثة الولادة وكانت البقرة ذات ضروع ممتلئة بالحليب ولونها يسر الناظرين، وما كاد يعبر الشارع حتى سمع صراخا من حيث مكان البقرة ثم سمع معلنا يقول إن بقرة بيت فلان قد ماتت.
في المساء كان أهالي القرية قد اجتمعوا وقد تكاثرت مصائبهم وتعاظمت بسبب الرجل العيّان وقد قرروا أن ينفوا ذلك الرجل من قريتهم حرصا على سلامتهم وسلامة ممتلكاتهم وقال بعضهم: يجب أن نقتله نظير ما تفعله عيناه وقال بعضهم: يجب أن نقتلع عينيه حتى نخلص من شرهما، وفي الأخير اتفق الجميع على أن يأخذوه أولا إلى كل من أصابته عين ذلك الرجل من أبناء القرية ويذكر اسم الله عليه ويعالجه ثم بعد ذلك يقومون بتزويده بكل ما يحتاجه من زاد ومال ليرحل عن ديارهم وقبل فعل ذلك يجب أن يقسم لهم يمينا معظمة بأن يذكر اسم الله كلما رأى شيئا في طريقه وقد قامت القرية بأكملها بالمشاركة في ذلك الحل وقاموا بإخراج ذلك الرجل من ديارهم مع تباشير الصباح فكتب لهم بذلك عمر جديد.
سجلتها ونقلتها إلى اللغة العربية: ميسون الدعرهي
حررها: هائل المذابي