كان ياما كان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان، كان هناك رجل له ثلاث بنات غايةٌ في الجمال، وكان والدهنّ يحبهنّ أكثر من نفسه، وقد ربّاهن وأدبهن وأحسن في ذلك، ولما كبرن وبلغن سن الزواج، كان عليه أن يجد لهن رجالاً يليقون بهنّ، وكان له أسلوبا جميلاً ليخبر من يختلط بهم ويقابلهم بأن لديه ثلاث بناتٍ للزواج، حيث كان يتعمد أن يترك ثلاثة من أزرّة قميصه بدون أن يدخلها في عُراها، إشعارا منه بذلك واعلاما بأن له ثلاث بنات ويريد أن يزوجهن، ولم يكن لأحد أن يفهم ذلك إلا عليّة القوم، وبعد حين تقدم لابنته الأولى رجل غنيٌ فزوجه وتقدم للثانية رجلٌ ميسور الحال فزوجه، وتقدم للثالثة رجلٌ فقيرٌ فزوجه.
كان الرجل والد البنات الثلاث حكيما، وكان صاحب مال وثراء وقد تجادل في ذات يوم مع بعض أصدقاءه حول أزواج بناته فقال له أحدهم إن الزوج الفقير هو أفضل لابنته وبعضهم قال أن الميسور هو الأفضل والأوفى وأما البقية فقد كانوا يؤكدون أن الزوج الغني هو الأوفى وقد احتار في كل ما قاله أصدقاءه ولإن الرجل ذو الثلاث البنات يملك ميراثاً كبيراً فقد أراد أن يتأكد ويثق في أي من أزواج بناته يستحق أن ترث زوجته ملك أبيها، ومن هو الأجدر بذلك الورث من بينهم، وبعد أن أصغى إلى رأي أصدقائه، قرر أن يختبر الأزواج الثلاثة فقيرهم وميسورهم وغنيهم ومن نجح في الاختبار فإنه يستحق أن ترث زوجته ما يملكه أباها.
خطط الرجل للأمر جيدا فقام بادعاء أنه خسر كل ما يملكه أولا، وأشاع ذلك بين الناس وبين أزواج بناته الثلاث وأدعى الحاجة والفقر ردحا من الوقت، وفي ذات يوم قام الرجل بسرقة إحدى أغنام الحاكم وادعى ذبحها ليسد بها جوعه، ولأن الحاكم كان يحب تلك الماشية حبا شديدا وكانت من أكثر مواشيه حباً وقربا إلى قلبه/ كما كانت كذلك أيضا عند جميع الناس، وكانوا يسمونها (عسعس) وهي نادرة الشكل واللون، وولادة أيضا وكثيرة الانجاب، وبعد أن سرقها الرجل وأخذها إلى بيته قام بإخفائها في مكان آمن بعيدا عن أنظار الناس.
بعد ذلك أخبر الرجل أحد خُدّام الحاكم بأنه قد أخذ معزة الحاكم وبأنه قام بذبحها ولما بلغ الأمر الحاكم أمر بإحضار ذلك الرجل ليمثل أمامه، ولما مثل الرجل ذو الثلاث بنات أمامه قام الحاكم باستجوابه بشأن ما فعله فأخبره بما كان من أمره وأقر بما فعله.. وحينها لم يجد الحاكم سوى أن يحكم عليه بإحدى عقوبتين والأولى هي أن يقطع رأسه، والثانية أن يفتدي نفسه بأربعين ناقة سوداء اللون، كل واحدة منهن تحمل حبلا من الحرير على رقبتها.
اختار الرجل أن يفتدي نفسه بأربعين ناقة سوداء، وطلب من الحاكم أن يمنحه مهلة ليتدبر الأمر وكان له ذلك.
ذهب الرجل إلى زوج ابنته الغني وأخبره بما كان وطلب منه أن يساعده ويعينه في محنته وإلا فإنه سيقطع رأسه ولكن زوج ابنته الغني اعتذر عن مساعدته، وعاد الرجل من بابه خائباً.
ولم ييأس الرجل فذهب يطرق أبواب زوج ابنته الميسور وأخبره بما جرى معه وما كان من أمره وطلب منه مساعدته حتى لا يفقد حياته، ولكن الزوج الميسور اعتذر عن مساعدته وعاد من بابه خائبا.
وذهب الرجل في محاولة أخيرة إلى زوج ابنته الفقير وأخبره بما كان من أمره وقص عليه قصته وطلب منه المساعدة حتى يفتدي نفسه وينقذها من الموت فقال له الزوج الفقير: ليست مشكلة أبداً ولابد أن نجد حلاً ينقذك.
فكر الزوج الفقير في الأمر ثم قام بإشعال نارٍ كبيرة فعلم كل من في قريته بأن الرجل يطلب حضورهم فلبوا دعوته على الفور وقبل أن يخبرهم بشيء وكان قد ذبح ناقته التي لا يملك غيرها وأعد لهم طعاما وبعد أن أكلوا وشبعوا أخبرهم بسبب دعوته لهم وما كان من قصة عمه والد زوجته فرحب الجميع بأمر المساعدة وطلبوا منه أن يمهلهم حتى اليوم التالي.
في اليوم التالي وصل قوم الزوج الفقير إلى بابه يجرون أربعين ناقة سوداء لها حبال على أعناقها من الحرير، فاستقبلهم الرجل مرحبا بهم ومفتخرا بهم، ثم قصد والد زوجته وسلم له ما يعتق به رقبته ويفتدي به نفسه.
قال له عمه: جزاك الله خيرا يا بني نعم الرجل أنت، ثم طلب منه أن يقف مع النياق حتى يذهب ويشعر الحاكم بأنه أتى بما يفتدي به نفسه.
رجع الرجل إلى بيته وأخرج معزة الحاكم المخبئة لديه، فأخذت في الجري مسرعةً إلى دار الحاكم، وحين رأى خدم الحاكم عودتها صاحوا فرحين: لقد أتت عسعس ولم تذبح، واستغرب الناس وأخبروا الحاكم بأن عسعس سليمة ولم تذبح؛ بعد ذلك قصد الرجل ذو الثلاث البنات الحاكم وأخبره بأمره وما أراده مما فعله ودبره فعفا الحاكم عنه وأعجب بحكمته.
بعدها عاد الرجل إلى زوج ابنته الفقير وأخبره بما كان، وأعاد النياق الأربعين إليه وقال له: لا تخف أنا لست بمذنبٍ وانما اختبرت في أزواج بناتي من يستحق منهم أن تنال زوجته ما أملكه من ميراث وقد كنت أنت الفائز منهم وأنبلهم أصلاً.
سجلتها ونقلتها إلى اللغة العربية: مها الدعرهي
حررها: هائل المذابي