الصورة لطائر السوعيدو بعدسة الفنان عبدالرحمن الغابري
حكى أنه في قديم الزمان في سقطرى في سنة من السنوات تأخر نزول المطر في موسمه؛ فتسبب ذلك في حصول الجفاف والقحط، وبدأت الأغنام والأبقار والحمير والجمال وبقية المواشي تفقد مراعيها، ولا تجد ما تأكله؛ مما جعلها تصاب بالهزال، وبعضها تمرض .والأخرى تموت من الجوع
وفي هذه الظروف كان هناك غراب دخيل على سقطرى، كان يتنقل من منطقة إلى أخرى داخل الجزيرة من أجل البحث عن الحيوانات .الميتة ليأكل عينيها فقط
حتى تلك الحيوانات الهزيلة أو تلك الحيوانات التي تحتضر والتي لا تستطيع المقاومة كان يباغتها ويقتلع عينيها ويطير بعيدا
.كان يقترب منها الغراب ثم يأخذ منها عينيها حتى قبل أن تموت
وفي يوم من الأيام وبينما كان الغراب يحلق على المراعي باحثا عن ضحية جديدة، رأي وهو يحلق من الأعلى بقرة رابضة طوال .الوقت لم تستطع الحركة
.أدرك الغراب أنها تحتضر وأنها صيد محتمل يمكن أن يظفر بعينيها لهذا اليوم
هبط الغراب على شجرة قريبة منها محاولا أن يستكشف حالتها عن قرب، وما إذا كانت ضحية صالحة لهذا اليوم أم لا، لعلها ستموت .الآن فيحصل على عينيها الواسعتين، فعيون الأبقار وجبته المفضلة، بعكس الأغنام ذات العيون الصغيرة
.ولكن عندما اقترب أكثر وجد أن طائر السوعيدو السقطرية[1] قد سبقته إلى جوار البقرة، فهي تنتظر حصتها منها أيضا
عندما رأي الغراب السوعيدو تأكد أن البقرة فعلا أوشكت أن تموت وأنها لامحالة سوف تموت قريبا
أما السوعيدو فقد أزعجها مقدم الغرب الذي يأتي لاصطياد العيون، وعرفت أن هناك صدام محتمل بينهما على عيني البقرة
.في المقابل، كان الغراب يحدث نفسه في هذه اللحظة وهو يشاهد البقرة غير قادرة على الحراك لكنها مازالت على قيد الحياة
.قال في نفسه: لولا السوعيدو لاقتلعت عيني البقرة وظفرت بعينيها الآن لكن يبدو أن السوعيدو ستفسد علي هذا اليوم
.فكر الغراب في حيلة ما يمكنها أن تجعل السوعيدو تغادر من أجل أن يتفرغ للضحية بمفرده
قال الغرب للسوعيدو: وجدت في الناحية الأخرى من الجزيرة عددا من الأبقار الميتة، لماذا لا تذهبين إلى هناك؟
فعلمت السوعيدو أن هذا الخبر من الغراب مجرد خدعة لكي ينفرد بالبقرة التي تحتضر.
فقالت له: ولماذا لا تذهب أنت إلى هناك؟
.علم الغراب أنه لا فائدة من صنع حيل أخرى
فصمت الجميع لأنهم أدركوا أنهما معا ينتظران موت هذه البقرة، ولا فائدة من صنع المزيد من الخدع المكشوفة.
جلس كل واحد منهما إلى جهة من البقرة ينتظران لحظة موتها لعلهما يقتسمان عينيها ويحصل كل واحد منهما على عين، غير أن .البقرة يبدو أنها صامدة في وجه الموت ولم يقترب أجلها
ظل الغراب والسوعيدو يذرعان الأرض ذهابا وإيابا يتلوان الأدعية باقتراب أجل البقرة ولكن الموت لم يأت بعد
اقترب موعد غروب الشمس، وبدأ الظلام يغطي المناطق المنخفضة من سهول سقطرى وكلما تبقى هو فقط وتبقت فقط أضواء قليلة .على قمم الجبال، وفي الوقت نفسه كانت السحب تتراكم معلنة باقتراب موعد المطر
خاف الغراب من سقوط الأمطار، وهم هكذا في العراء والبرد القارس فاقترح الغراب على السوعيدو قائلا: لماذا لا نعود إلى أوكارنا ونتخذ الحيطة والحذر من هذه العاصفة القادمة، ونعود في الصباح؟
.فهو يخشى إن ذهب بمفرده أن تموت البقرة في الليل فتظفر السوعيدو بالعينين بمفردها وهو لا يحصل على شيء
ظنت السوعيدو أن الغراب فقط يريد أن يحتال عليها فيعود بمفرده ليلا ويظفر يعيني البقرة فقالت له: القمر مكتمل هذه الليلة، وهي لا تمطر ليلا إذا كان القمر طالعا، وعلينا أن نجلس معا، فلعل البقرة ستموت ليلا، وقد يسبقنا طائر آخر في الصباح ونحن لا زلنا في أوكارنا.
فأجاب الغراب: ربما تمطر وقت طلوع القمر، وقد تمطر ليلا حتى وأن كان القمر مكتملا، وكما ترين يبدو أن العاصفة ستكون قوية والمطر غزير، حتى البيوت ذات الأعمدة القوية قد تتهدم.
يبدو أن السوعيدو لم تصدق الغراب فظلت مكانها تنظر موت البقرة فيما انطلق الغراب بعيدا باتجاه عشه.
وفي منتصف الليل هطلت الأمطار بغزارة وهبت العاصفة الشديدة التي ظلت طوال الليل حتى الصباح.
ومع بزوغ الفجر حينما أقبل الضوء جاء الغراب إلى المكان باكرا
فوجد البقرة وسوعيدو ميتين
فحصل على أربع عيون بدلا من اثنتين
::::::::::::::::::
سجل الحكاية ونقلها من السقطرية إلى العربية: أحمد عيسى الدعرهي
حررها: محمد المحفلي
[1] طائر السوعيدو السقطرية، هو نوع من النسور الجارحة يتواجد بكثرة في جزيرة سقطرى ويشارك الناس حياتهم اليومية، والاسم العلمي هو النسر المصري، أو الرخمة المصرية أو النسر الفرعوني Egyptian vulture أو Neophron percnopterus