يحكى أنه كان هناك رجلٌ يقطن منطقة الوسطى وله جملٌ يسميه “رعدهن” وقد كان هذا الجمل جميلا بما يكفي ليغبط الناس ذلك الرجل عليه، وقد كان يحبه إلى درجة أن يرى فيه واحداً من أفراد أسرته، ولا غنى له عنه.
وكان سكان الجزيرة بأكملها في ذلك الزمن يستخدمون الجمال والحمير لأغراض التنقل بين سهول وهضاب الجزيرة ونقل أمتعتهم على ظهورها، وما من بيت إلا وأهله يملكون إحدى تلك الوسيلتين أو كليهما.
وفي ذات ليلة وحين أراد الرجل أن يقدم لجمله “رعدهن” وجبة العشاء كعادته في كل ليلة لكنه لم يجده، وكان الرجل قد اعتاد أن يفعل ذلك ويمسي على جمله بمجرد عودته إلى منزله في أول الليل كجزء من العادات والتقاليد الموروثة في الوسطى.
لم يجد الرجل جمله “رعدهن” ففزع كثيرا وقلق عليه، ونال منه التعجب وارتسمت على ملامحه غرابة واستنكار، وبلغت منه الحيرة مبلغها، وبدلا من السؤال عنه بين المنازل من حوله هرع الرجل إلى الوادي الذي يفصل الوسطى الشرقية عن الغربية وهناك كاد الرجل أن يموت هلعا، فأصابته قشعريرة ورجفت أوصاله وارتعدت فرائصه، فأخذ يتلو صلواته متجها بوجهه صوب قبلة الصلاة ليؤدي صلاة الخوف، وما كاد يفرغ حتى مد قدميه ليصعد الهضبة عائدا إلى مسكنه على سفوح الوسطي، وما كاد يشرع في ذلك حتى سمع وقع خطوات فابتهج لذلك واعتقد أنها أصوات أقدام جمله فانثنى عن الصعود وقصد مصدر الصوت وفجأة وبين الظلام الدامس تسمر الرجل في مكانه عاجزا عن رؤية ما يحتويه ذلك الظلام وبين تلك الأشجار الكثيفة.
حين تسمر صاحب الوسطى الشرقية رب الجمل “رعدهن” في مكانه وبدأ يتراجع إلى الخلف وقلبه يكاد ينقبض لشدة الخوف أمسكت بأحد كتفيه إحدى بنات الجن لكنه لم يستطع حتى أن يصرخ من شدة وجله والرعب الذي سرى في جسده حتى أخرسه، وحين حاول التقدم قليلا ليتمكن من الفرار باغتته الجنية وحاولت أن تقفز على ظهره، ثم أمسكت به على ذراعيه فحاول أن يبعدها ولكن لصقت به كما يلتصق الصَّبيّ بأمَّه فحاول للمرة الثانية ولكنه لم ينجح في الأمر.
خاطبته الجنية قائلة: لا تحاول أن تبرز شجاعتك وشراستك معي، كان الرجل يتصبب عرقا وقد حاول أن يكذب ما يسمعه لكنه لم يستطع ثم راح يحاول بكل ما يمتلك من القوة أن يبعدها عن نفسه بقدر الإمكان حتى سقطت وأطاح بها بقوة على الأرض.
تذكر الرجل سلاحه الأبيض الذي يحمله على خصره في حله وترحاله، وتذكر من حكايات آباءه أن الجن يخافون ويفزعون منه فاستله على الفور وأشهره في وجه الجنية التي أرادت أن تركب عليه وقبل أن يتخلص منها إذا بها تغرز أظافرها في لحم كتفيه ثم تولي عنه فيشرع هو بصعود مدرجات الوادي هاربا حتى يصل داره فزعا.
كان الجمل “رعدهن” في الدار المجاورة لدار صاحبه، وحين علم صاحبه بذلك هدأ روعه قليلا، لكن قلبه كان يخفق بشدة وكان يصرخ بين لحظة وأخرى حتى وصل جمع من الطيبين من أهل منطقته فتعهدوه بالتعاويذ والرقى حتى سكن فزعه، ثم أخبرهم بما جرى وأراهم آثار أظافر الجنية على كتفيه.. وقد جلبوا بعضا من أوراق الشجر المداوية، والخاصة بالجروح ومن ثم هرست وطحنت ووضعوها على مكان جروحه.
في نفس اليوم لتلك الحادثة التي جرت مع رب الجمل “رعدهنّ” من كل عام كانت تظهر وحمتان على كتفه هما آثار أظافر الجنيّة وتتورم ولا يهدأ ألمها ولابد أن يكون هنالك من يقوم على الاعتناء به ورعاية ألمه حتى الصباح
وقضى الرجل بقية عمره على تلك الحال وما زال أثر الجروح باقياً على ذراعيه حتى وافته المنية وانتقل من دار الفناء إلى دار البقاء.
سجلها ونقلها إلى اللغة العربية: أحمد عيسى الدعرهي
حررها: هائل المذابي