يحكى أنه في قديم الزمان في جزيرة سقطرى، كان هناك رجل لديه بنت بها من الجمال مالا تمل العين من رؤيته، كما أن ذكاءها وفطنتها زاداها جمالاً على جمالها الفاتن وكان أبوها يحبها كثيراً ويخاف عليها كثيراً، و ازداد خوف الرجل على ابنته عندما رأى طمع الرجال بها وتهافتهم على الزواج منها، فقرر الأب وعزم النية على ألا يزوج ابنته إلا لشابٍ يتصف بالذكاء والفطنة والحنكة والشجاعة والخلق الرفيع حتى يستطيع حمايتها ويكون سنداً لها في هذه الحياة، فكلما جاء من يخطب ابنته امتحن أخلاقه و أختبر ذكائه وبالرغم من أن الخطّاب كُثر فقد فشلوا جميعاّ في إقناع الرجل و اجتياز امتحاناته.
وكان هناك أحد الملوك في الجزيرة زوج ابنه ثلاث مرات، وفي كل مرة كان الابن يطلق زوجته دون أن يتحدث عن الأسباب حتى طرده أبوه ونفاه من القبيلة. خرج الشاب من المدينة للبحث عن عمل فوجد عمل لدى راعي أغنام، وذات يوم وبينما هو يرعي الأغنام رأته زوجة الرجل فأعجبت بتفانيه في عمله وبأمانته كثيراً حيث أزداد عدد الأغنام منذ أن عمل الشاب مع زوجها، لكن المرأة خافت من أن يترك الشاب العمل عند زوجها فخطرت ببالها فكرة أن تزوجه من ابنة زوجها حتى يبقى معهم ويستمر في رعي الأغنام.
عرضت زوجة الأب الفكرة على البنت ولكنها رفضت طلب خالتها وقالت لن أتزوجه أو غيره حتى يسافر معه أبي ليعرف حقيقته.
فقامت زوجة الأب بعرض الأمر على زوجها وأخبرته بشرط ابنته للزواج، وافق الأب على الشرط وذهب الى الشاب وقال له: غداً لا تخرج بالغنم سنسافر أنا وأنت لبضعة أيّام لقضاء حاجة!
فسافرا معاً وبينما كانا في الطريق مرّا على غنم فقال الشاب: ما أكثرها وما أقلها! فتعجب منه الرجل ولكنه لم يرد عليه.
ثم مرّا على غنم أخرى فقال الشاب: ما أقلها وما أكثرها! فقال الرجل في نفسه يا له من غبي ربما أحسّت ابنتي بغبائه لذلك طلبت مني السفر معه لاستكشاف حقيقته.
وبعد ذلك مرّا على مقبره فقال الشاب: فيك الأحياء وفيك الأموات!
ومرّا أيضاً على بستان جميل فقال الشاب: لا أداري إن كان هذا البستان أخضر أم يابس!، تعجب الرجل كثيراً ولكنه لم يتكلم بل بدأ يحدث نفسه ويقول: لن أزوجه ابنتي مهما حصل، فالسفر يكشف الناس على حقيقتهم، وهذا الشاب لا يصلح زوجاً لابنتي أبداً، ولمّا عادا من السفر ذهب إلى ابنته وقصّ عليها كل ما حدث في الرحلة. فقالت له البنت إنه نِعمَ الشاب يا أبي. فقال لها أبوها كيف ذلك؟
قالت البنت: أما الغنم الأولى فكان فيها الكباش أكثر من النعاج.
والغنم الثانية ففيها النعاج أكثر من الكباش.
وأمَا كلامه عن أهل المقبرة فكان يقصد أن من ترك ذرية فهو حيّ ومن لم يترك فهو ميت.
والبستان إن كان صاحبه عمله بما في يديه من مال فهو أخضر وإن كان بالدين فهو يابس.
وبالرغم من تفسير البنت لما حصل فإن الأب لم تطمئن نفسه ولم يوافق على الزواج وقال: إن ابنتي أحبُ وأغلى إنسان على قلبي فلابد أن يكون هناك امتحان آخر.
في صباح اليوم التالي أخذ خمسين معزة من أغنامه الحوامل اللاتي أوشكن على الولادة وأعطاهن للشاب وساقه وإياها إلى أرضٍ قاحلة، صحراء لا شجر فيها ولا حجر من ثم انسحب الأب ورجع للديار تاركاً الأغنام والشاب في ذلك المكان القاحل فما لبث الشاب إلا قليلاً حتى بدأت الأغنام تضع حملها وتلد واحدة تلو الأخرى حتى إذا تجاوز نصف النهار وضعت جميعها ما في بطونها.
فاحتار الشاب ماذا يفعل وكيف يصنع فهو لا يستطيع العودة بالأغنام بمفرده وإن ترك الأغنام وصغارها ضاعت كلها ولا يوجد مكان لحفظ الصغار لكي تبقى الأغنام مع صغارها في المكان نفسه.
فبينما هو في حيرة من أمره خطرت بباله فكرة فقام بحفر حفرة لكل واحد من الصغار تمنعه من الخروج إلى أمّه فحفر خمسون حفرة ومن ثم وضع كل واحد منهم في حفرة، وما إن بدأت الشمس بالغروب حتى أنجز عملية الحفر ووضع الصغار بداخلها وحبسهم أمام أمّهاتها.
وهكذا رجع الشاب بدون الأغنام، وكان الأب يترقب عودته بفارغ الصبر، وعندما رآه خالي الوفاض ظن أن الشاب قد فشل في الامتحان وأنه أضاع الأغنام.
مضى الشاب الى بيته ونام وفي الصباح الباكر قام الشاب وأيقظ صاحب الأغنام وقال له: هيا بنا نذهب إلى المكان الذي تركتُ فيه الأغنام ربما بقت معزة واحدة نرجع بها. وعندما وصلا إلى ذلك المكان القاحل وجد الأغنام كلّها في مكانها وبعضها رابضة وهي تنادي بصوتها على صغارها الذين يصيحون من حيث لا يراهم أحد.
فتعجّب الأب من صنع هذا الشاب واستغرب وتساءل في نفسه كيف استطاع هذا الشاب بخطته الذكية أن يحافظ على كل الأغنام وبينما هو منبهر مما حدث قال له الشاب: استلم أغنامك وأنا سأذهب الى بلاد أخرى، وأرجوا أن تعطي كل معزة ولدها وانتبه أن تختلط عليك.
عندها جن جنون الأب وقال له: أرجوا ألا تتركني فأنا لا أعرف أين الأولاد الصغار ومن هي أم كل واحد منهم.
وهنا علم الشاب أنه نجح في الامتحان وأن الأب قد رضي عنه فقام وأخرج أولاد الأغنام وأعطى كل واحدة منها صغيرها.
شعر الأب بأن نفسه اطمأنت وازداد إعجابه بالشاب الذكي بعد أن نجح في الامتحان وطلب منه أن يتزوج ابنته الجميلة وألا يغادر البلاد فوافق الشاب على الزواج واستقر مع عمه وعملا سوياً في رعي الأغنام.
سجلتها ونقلتها إلى اللغة العربية: ميسون الدعرهي
حررتها: شذى عبدالعزيز