تقع عيهن مصبيحة في قرية القيسي، قلنسية في سقطرى هذه المنطقة الجميلة والمقدسة والتي يضرب بها وبأهلها المثل في الكرم والجود والخير والعطاء فهي ومنذ مئات السنيين كانت ولا زالت إلى وقتنا الحاضر مقصداً للكثير من أهالي سقطرى.
وهي منطقة مباركة، بها يستظل الفقراء وإليها يقصدون في موسم الخريف ليأكلوا من ثمارها ويشربوا من ماءها المبارك.
وهي ليست مقصد الفقراء والمساكين والأيتام والأرامل فقط بل أيضاً لا يستغني عنها الأغنياء لأنها معجزة الزمان.
وتعود قداسة عيهن مصبيحة إلى أحداث قصة حدثت منذ زمن بعيد وتناقلتها الأجيال جيل بعد جيل.
رُويَ أن هناك امرأة كبيرة السن كانت تعيش في ذلك المكان الذي كان يعاني من شحة الماء إلا أن هناك عين ماء صغيرة جداً لا يجتمع فيها الماء إلا بشق الأنفس ويستغرق ذلك وقتاً طويلاً جداً، حيث يروى أن تلك المرأة كانت تجمع القليل من الماء خلال يوم كامل وفي اليوم التالي تذهب لجمع الماء الذي لا يكفي للشرب وللبيت وكانت على هذه الحال كل يوم.
وفي يوم من الأيام ذهبت المرأة كعادتها لجمع الماء واستغرق ذلك منها وقتاً طويلاً جداً حتى استطاعت جمع القليل من الماء في قربتها، وما أن همت بالرحيل حتى رأت رجلاً يتقدم نحوها راكباً على ظهر فرس وعليه أثر التعب ومشقة السفر وكان بأمس الحاجة إلى الماء فقال لها إنني عطشان جداً وقد كان الماء الذي بقربتها قليل لا يكفي لكليهما وقد كانت هي أيضاً بأمس الحاجة إليه، لكنها دون تردد أو تفكير آثرت الرجل على نفسها وقالت له: الحمد لله فضل الله كثير وأعطته الماء الذي بحوزتها والذي يكاد لا يروي عطش الرجل، ثم بدأت مرة أخرى في تجميع القليل من الماء لنفسها والرجل ينظر إليها ويرى مشقة جمع الماء الذي تعانيه المرأة، حتى رأى أنها جمعت القليل من الماء قال لها: إن الفرس عطشى وأريد أن أسقيها، هنا المرأة نظرت إليه وإلى الماء اليسير الذي جمعته لكنها أيضاً و دون تردد قالت له: الحمد لله فضل الله كثير وأعطته الماء وسقى فرسه.
ثم عادت مرة اخرى وجمعت قليل من الماء واستغرق ذلك عدة ساعات، ثم قال لها الرجل: لقد أرهقنا السفر وإني أريد أن أرش الماء على رأسي وأرش على الفرس أيضاً فأعطته المرأة ما استطاعت جمعه من الماء للمرة الثالثة، وفي ذلك الوقت كانت الشمس قد شارفت على الغروب فلم تستطع المرأة أن تجمع الماء مرة أخرى، وقبل أن ترجع إلى بيتها وهي خالية اليدين ناداها الرجل قائلا: غداً في الصباح الباكر يجب أن تكوني هنا قبل شروق الشمس، ثم ذهب في طريقه ليكمل السفر.
ويروى أن هذا الرجل كان قد طاف بكل قبائل سقطرى لكنه لم يجد مثل هذه المرأة في كرمها وجودها.
في اليوم التالي ذهبت المرأة إلى مكان الماء كما طلب منها الرجل فرأت مالم تره عيناها من قبل، رأت عيون الماء تتفجر في كل مكان ماءً زلالاً عذباً، وتكسو المكان أشجار النخيل المحملة بكل أنواع التمور.
وأخذت المرأة تنظر يمنة ويسرة ولم تستطع أن تصدق ما تراه فذهبت تتحسس أشجار النخيل بيديها وتغرف الماء من العيون وهي غير مصدقة وتعتقد بأن ما تراه هو حلم وليس حقيقة لكنها في نهاية الأمر أدركت بأن كل ما حولها هو حقيقة وليس حلماً.
وهنا أيقنت المرأة أن الرجل الذي أكرمته بالأمس ليس بشراً إنما هو ملاك كريم أرسله الله ليعطيها ويكرمها جزاء أعمالها وتصرفاتها.
ومنذ ذلك الحين اشتهرت عين مصبيحة بهذا القصة وبدأ الناس يتوافدون لزيارة المكان ويسكنون على ضفافه، يأكلون من ثماره ويشربون من مائه العذب.
ولم تنته قصة الكرم والجود في تلك القبيلة بل استمرت منذ ذلك الحين إلى وقتنا الحاضر فهم مازالوا يزرعون النخيل ويحافظون على النعمة التي وهبها الله لهم ويستقبلون الزائر والوفود من المحتاجين وغير المحتاجين برحابة صدر ليكرموهم بما أكرمهم الله.
وعملوا على الاهتمام الكبير بشجرة النخيل وقاموا بزراعتها بكثرة، وبالرغم من إنها لم تدر عليهم الربح الكثير فإنهم لم يفكروا بذلك بقدر تفكيرهم في كيف يحصلون على الأجر والثواب من الله عزوجل عندما يأكل الناس من قريتهم ومن عمل أيديهم.
لقد كانت عيهن مصبيحة وما زالت محطة نزول لأغلب أهالي سقطرى.
حيث أنها تقع على ممر أغلب قبائل غرب الجزيرة فهم يمرون بها وينزلون رحالهم ويستظلون بظلها ويأكلون من رزقها ويشربون من ماءها ويأخذون لأنفسهم الزاد ثم يكملون طريقهم.
يا سلام .. حكاية جميلة و كريمة
محبات لسقطرة الحبيبة أرضا وشعبا 🌺